دلالات الرمز في الفنون التشكيلية الفلسطينية 1
الفنون التشكيلية الفلسطينية مفطورة ابتكارًا ومنتجًا ودلالات مفاهيمية على قيم الرمز ومكوناته وتعبيراته شكلياً وخطيا ولونياً وبناءً فنيًا تشكيلياً. فالرمز جزء لا يتجزأ من تاريخ وتراث وحضارة وجماليات الشعب العربي الفلسطيني في كافة مناقبه الحياتية اليومية والمهنية والثقافية والدينية والاعتقادية يلازمه في كافة حقبه التاريخية والزمانية والمكانية. سواء أكانت في عصوره المغرقة بالقدم أو الحديثة أو المعاصرة،ومدى ارتباطه الوثيق بمحيطه العربي كوحدة قومية وهوية عربية نضالية ودلالة كفاحية مستمرة في التاريخ العربي المعاصر وحدوث نكبة فلسطين عام 1948 بفعل الغزوات الاستعمارية الغربية الأوربية التي رافقت بدايات القرن العشرين لاسيما بعد احتضان وولادة الحركة الصهيونية في مؤتمر بال عام 1897 وعقد اتفاقيات سايكس – بيكو عام 1916 ، والتي أمست المشكلة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ بمثابة القضية المركزية للأمة العربية الناهضة في أنظمتها الوطنية ضد أشكال الاستعمار القديم والحديث. وأصبحت تحتل مساحة من الوجدان العربي ونبض الشارع ومقياساً تضامنياً لحقيقة العواطف والأحاسيس والهم الوجودي المشترك في معركة الوجود للشعب العربي مع الكيان الصهيوني،وما شكلته هذه القضية المصيرية والحيوية من محمولات دلالية ورمزية وترميزية في كل المسالك والدروب وأنماط التفاعل الإنساني وبكل الاتجاهات والميادين.
نكبة فلسطين عام 1948 التي قسمت الشعب العربي الفلسطيني إلى قسمين مؤلمين. واقع الاحتلال والقمع والسطوة الصهيونية الاستيطانية.وواقع التشرد وفقدان الأرض والوطن في أماكن اللجوء العربية والدولية،وما تعرض له هذا الشعب المُقسم من مؤامرات عربية وأوربية وغربية وأمريكية متكررة لإنهاء وجوده كشعب وهوية قومية عربية وإنسانية وحضارية وجمالية.وما شكله الرمز في سياقه المفاهيمي الواسع في كافة منابت الإبداع من مكانة فاعلة في صيرورة التصدي لحلقات المؤامرة على هذا الشعب العربي الفلسطيني المكافح إلى "يوم الدين".وقد كان للرمز في مساحة الإبداع الفني التشكيلي الفلسطيني الأهمية البارزة والتواجد الدائم في كافة أعمال الفنانين التشكيليين الفلسطينيين والعرب والمكافحين العالميين في نصرة وعدالة القضية العربية الفلسطينية لوحة وملصقة وحفرية ونصباً نحتيًا وسواها من أشكال التعبير الفني التشكيلي.
الرمز في المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعاصر مرتبط مباشرة بواقع الاحتلال الصهيوني،ومنخرط في الحدث الفلسطيني الكفاحي عِبر قنواته النضالية المتاحة.حيث وقف الفنان التشكيلي الفلسطيني في الخندق الدفاعي الأول عن الحقوق الوطنية والقومية والتاريخية والحضارية والجمالية للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين ومن خارجها والمتفاعل مع مسألة الصراع العربي – الصهيوني وتفاعلات اللحظة الآنية والمعايشة اليومية لدروب الآلام الفلسطينية. تُقحم الفنان التشكيلي الفلسطيني بالتعاطي مع الرموز التعبيرية تواصلا كفاحياً مشروعاً في أخذ زمام المبادرة التحريضية والدعائية لأشكال النضال الفلسطيني وبكل مستوياته وآلياته وأدواته،ربطا مباشرا ودلالياً لهدف منشود من وراء كل عمل فني تشكيلي منفذة بأساليب تقنية متعددة المفردات والعناصر الفنية التشكيلية الرصفية لبنائية التكوين وتوصيل أفكاره ومحموله الفكري والنضالي والسياسي والجمالي،بحيث يُشكل المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعادل الموضوعي لمجمل طرق النضال الفلسطيني في المعابر الإبداعية الأُخرى الموازية والمندمجة في سياق تكاملي وشمولي مع ماهية وكينونة الفنون الجميلة التعبيرية. سواء أكان هذا الرمز الدلالي عنصراً متفرداً ومتكرراً في أبعاد العمل الفني أو مُتشكل من مجموعة عناصر فنية متجانسة ومتكاملة خطياً ولوناً وفكرة تعبيرية ومواقف مشهدية. حيث تُشكل ثلاثية الأبعاد الشكلية (الخط،اللون،بناء التكوين) مجالاً حيوياً لإيصال الفكرة القصدية في شكل رسالة جمالية إنسانية حضارية وكفاحية معبرة عن واقع وحياة الشعب العربي الفلسطيني وتاريخ أمة،وتظهر تجليات الفكرة التصويرية في مدخلاتها الدلالية الرمزية البصرية المرئية في توليفات التكوين بالعمل الفني تقنيًا وفكرياً مقولة الفنان الوجودية والتعبيرية والدور الوظيفي والكفاحي كجزء لا يتجزأ من مخرجات العملية النضالية في مجملها الكفاحي.
إن أية نظرة موضوعية عامة سبرية أو مسحية أو متفحصة ومتبصرة في عموم المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني داخل فلسين وفي مناطق الاغتراب العربية والعالمية التي واكبت حركة النضال الوطني والقومي الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين وتواصلت مع انطلاقة النضال الفلسطيني المسلح في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 وحتى اللحظة الآنية المعايشة وما تلاها من خطوات إقدام وإحجام ملتصقة بهموم الوطن الفلسطيني ومسيرته النضالية وبالمواطن والهويّة والانتماء،وعوامل النكوص والإحباط والانسلاخ والتشظي في تداعيات القطرية العربية والانحياز للوطن القطري الضيق والتخلي عن مركزية القضية الفلسطينية في مساحة الفعل العربي الرسمي.وقنوات الأمل والتفاؤل المشوبة بدماء الشهداء والتضحيات العربية والعالمية والفلسطينية،وإلى ما هنالك من تعبيرات وصفية أدبية ورمزية التي أوجدت للفنان التشكيلي الفلسطيني وسواه من المناضلين فسحة رحبة لدور نضالي مميز،ليجد الفنانين ذواتهم الابتكارية والإنسانية داخل الحدث جنودا مجهولين في تشكيل لحمة إضافية لتوثيق عرى التواصل النضالي مع القضية الفلسطينية كتفًا بكتف مع المقاتلين في مواقع الصمود والتحدي وحروب الوجود.
ارتبط الرمز في أشكاله الخطية واللونية والفكرية عِبر عناصر ومكونات فنية شكلية مثل (البندقية، الفدائي، الشمس، القمر، الغزال، الخراف، الديوك، الكوفيات، الأسماك، الماء، الأشجار، الأيقونات، الأساطير، الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية،المهن اليدوية،العادات والتقاليد، الأزياء،الهلال ورماة الحجارة) وغيرها من رموز ودلالات مفاهيمية وفكرية مستحضرة ومنشودة من مِخيال الذاكرة الشعبية والموروث الحضاري والجمالي والحكايات والأشعار والمقولات والأهازيج والأغاني والذات الفنية المبتكرة والمتضافرة مع روحية الذات النضالية والوجودية في معركة البقاء. مشغولة في اللوحات التصويرية في أناقة تعبيرية مناسبة لمدلول اللون في الذاكرة لتشكل الدائرة اللونية الأساسية(الأحمر،الأصفر،ال زرق) والمساعدة المتممة(الأبيض والأسود) وتدرجاتها اللونية الاشتقاقية بروداً وحرارة وحِدة لونية، ووحدة عضوية متكاملة لمعزوفة الوطن والنضال الوطني الفلسطيني في إيقاعات بصرية فنية تشكيلية. وليمة بصرية حاشدة لكل الرموز والدلالات المعبرة
والموحية.تبعاً لذات الفنان الابتكارية وقدراته في امتلاك أدواته ومفرداته الوصفية والتقنية والمتوافقة مع اتساع مساحة التأليف الرمزي لتجليات الأفكار والحدس والابتكار.اللون "الأحمر" كمدلول معبر عن الثورة والحركة المقاومية وتدفق شلال الدماء في شرايين الثوار المكافحين الذين يقدمون أرواحهم قرابين حب ووفاء وولاء على مذبح الحرية ومسالك العودة إلى فلسطين أعراساً وشهداء في قافلة الأجيال.بينما "الأخضر" كمدلول رمزي للطبيعة والخير والعطاء وازدهار الحياة وتألقها واستمرار جذوة الكفاح.أما "الأزرق" بدلالاته متعدد الخصائص والسمات وإحالاته الإلهية والكونية، والمعبر عن الحرية ونبض الحياة والانعتاق وسمو النفس البشرية وحالات التصوف والهيام في مساحات الوطن وأماني أبنائه في تحقيق الأهداف النضالية الكبرى في مسيرة الآلام الفلسطينية عِبر قرن من الزمن،وغيرها من الملونات المجتمعة في حضرة الوطن وفضاء القضية الفلسطينية في سياق فنون تشكيلية أصيلة معبرة عن الذات والوجود وموقعنا في خارطة الصراع.أنهاراً جمالية متدفقة تصب في واحة الوطن العربي الفلسطيني وأماني العودة ودروب التحرير متعددة المسالك والأشكال.
Bookmarks